نزوح أكثر من 11 مليون شخص منذ اندلاع الحرب في السودان

لا يزال السودانيون يعيشون كابوس النزوح والتشرد بسبب المعارك التي اندلعت منذ نحو 18 شهراً بين قوات الدعم السريع والجيش، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من السودانيين، فيما نزح أكثر من 11 مليوناً، نحو ثلاثة ملايين منهم إلى خارج السودان.

منذ نيسان/أبريل 2023، يعيش السودانيون تبعات المعارك الدامية التي اندلعت بين قوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو والجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والتي أسفرت عن وقوع عشرات آلاف الضحايا وتهجير ملايين السودانيين.

واتهم جانبا الصراع بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك استهداف المدنيين ومنع المساعدات الإنسانية، ما ترك حوالي 26 مليون شخص في مواجهة انعدام الأمن الغذائي الشديد، فيما تم إعلان المجاعة في مخيم “زمزم” في دارفور (غرب السودان).

وبحسب أحدث الأرقام الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، نزح حوالي 11,3 مليون شخص، من بينهم 2,947,027 فروا إلى خارج السودان، لا سيما الدول المجاورة حيث يعيش السودانيون في مخيمات بالقرب من حدود هذه البلدان، وسط خطر من انتشار الأوبئة بالإضافة إلى تعرضهم للعنف والاستغلال.

حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أمس الخميس، من أن القتال في شمال غرب إثيوبيا يعرض عشرات الآلاف من السودانيين الذين فروا من بلادهم بسبب الحرب إلى “خطر كبير”، حيث سجلت المنظمة جرائم قتل واختطاف وغيرها من أعمال السخرة في تلك المناطق.

ومنذ نيسان/أبريل 2023، يواجه الجيش الفيدرالي الإثيوبي ميليشيات فانو، وهي ميليشيات “الدفاع عن النفس” الشعبية التقليدية التابعة لمجموعة الأمهرة العرقية. وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ في نيسان/أبريل 2023 في منطقة أمهرة، ثاني أكبر منطقة في البلاد من حيث عدد السكان، ويعيش فيها حوالي 23 مليون نسمة.

وانتهت حالة الطوارئ في حزيران/يونيو الماضي، لكن القتال مستمر، وتم نشر العديد من القوات الفيدرالية الإثيوبية هناك في أيلول/سبتمبر.

وفر عشرات الآلاف من السودانيين إلى مخيمين للاجئين في منطقة أمهرة القريبة من الحدود، “حيث ارتكب رجال مسلحون وميليشيات محلية عمليات قتل وضرب ونهب واختطاف للحصول على فدية والعمل القسري”، حسبما ذكرت “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها.

وجاء في بيان المنظمة، “منذ حزيران/يونيو 2023، استهدف مسلحون مجهولون وميليشيات محلية بشكل متكرر اللاجئين في مخيمي أولالا وكومر، وارتكبوا انتهاكات خطيرة، بما في ذلك ثلاث جرائم قتل على الأقل”.

كما اتهمت “هيومن رايتس ووتش” الحكومة بإنشاء معسكرات في مناطق “كانت فيها الجرائم والمناوشات بين المجتمعات المحلية شائعة” مع توفير “أمن محدود”.

ويزعم لاجئ سوداني يبلغ من العمر 45 عاماً أجرت “هيومن رايتس ووتش” مقابلة معه، أنه “تعرض للضرب في الضلوع خمس مرات” على يد قوات الأمن الإثيوبية، وتابع “كان أطفالي يبكون. وطلب أحد الأشخاص من الجيش والشرطة التوقف عن ضربي أمام أطفالي، لكنهم بدأوا بإهانتنا قائلين إننا إذا لم نرغب في البقاء في إثيوبيا، فعلينا العودة إلى بلدنا السودان”.

وأعربت نائبة مدير “هيومن رايتس ووتش” في أفريقيا، ليتيسيا بدر، عن أسفها لأن اللاجئين السودانيين “كانوا هدفا للانتهاكات لأكثر من عام من قبل مختلف الجهات المسلحة”، قائلة إنهم “بحاجة ملحة للحماية”.

وفي سياق متصل، أفادت الأمم المتحدة بأن تشاد شهدت تدفق 25 ألف سوداني خلال الأسبوع الأول من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بعد أن فروا من بلادهم بسبب الحرب. وتعتبر هذه المحصلة رقما قياسيا في عام 2024 في ظل استمرار المعارك في السودان.

ويتوقع منسق الأمم المتحدة الإقليمي للاجئين مامادو ديان بالدي، أن يتجاوز عدد السودانيين الذين فروا من بلادهم منذ اندلاع الحرب، عتبة الثلاثة ملايين شخص خلال الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع المقبلة.

وفي علامة على تفاقم الصراع في دارفور، وصل حوالي 25 ألف شخص 80% منهم نساء وأطفال، إلى شرق تشاد في الفترة من 1 إلى 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهو أعلى رقم هذا العام، وفقا للمنسق بالدي.

وتعد هذه المحصلة أكثر بكثير من تلك المسجلة في شهر أيلول/سبتمبر بأكمله، الذي وفد خلاله حوالي 20,270 سودانيا إلى تشاد.

في نهاية تموز/يوليو الماضي، نشرت منظمة “مشاد”، وهي منظمة غير حكومية تعمل في السودان والدول المجاورة، بياناً كشفت فيه عن وقوع وفيات وإصابات بفيروس الكبد الوبائي بين اللاجئين السودانيين المتواجدين في شرق تشاد.

وسلطت المنظمة الضوء على الأوضاع المأساوية التي يعيشها اللاجئون السودانيون في مخيمات شرق تشاد، لا سيما في مخيم “طلوم” الذي يشهد “تفشي خطير للأمراض الوبائية والمعدية، التي أدت لوفاة أربعة لاجئين في حينه، بينما تعرض نحو 20 آخرين للإصابة بمرض الكبد الوبائي”، بالإضافة إلى تسجيل حالات إجهاض لنساء حوامل.

ويرحب هذا البلد، وهو من بين أفقر البلدان في العالم، بأكبر عدد من اللاجئين السودانيين (681,944) ولكن الخدمات الأساسية لاستقبالهم غير متوفرة، كما يوضح السيد بالدي، والذي أشاد بالكرم الذي أظهره التشاديون.

وتابع أنه “عندما نرى 25 ألف وافد، فهذا رقم ضخم للغاية”، داعياً إلى تقديم دعم أكبر من المجتمع الدولي لا سيما وأن خطة الاستجابة الإقليمية للاجئين لعام 2024، والتي تقدر قيمتها بـ 1.51 مليار دولار، لم يتم تمويلها إلا بنسبة 27% فقط.

وعلق المنسق “هذا ليس كافيا، لأن عدد اللاجئين مستمر في النمو. للأسف الشديد نتوقع أنه في الأسابيع المقبلة سيكون هناك المزيد من اللاجئين في تشاد” بسبب اشتداد الصراع في دارفور ولكن أيضا من “شح المياه” هناك.

ومع انتهاء موسم الأمطار، تأمل الأمم المتحدة أن تتمكن من تقديم المزيد من المساعدات للسودان إذا سمحت الأطراف المتصارعة بذلك.

وشدد بالدي على ضرورة التعاون لوقف المعارك الجارية في السودان وتقديم الدعم للنازحين واللاجئين، لأن الاعتقاد بأن تحركات السكان ستقتصر على السودان والمنطقة هو “خطأ كبير”، وأضاف “هناك المزيد والمزيد من الناس يأتون نحو إيطاليا، ونحو أوروبا، ونحو الجنوب الأفريقي. وبعضهم يذهبون أيضاً إلى دول الخليج”.

ولا تختلف أوضاع السودانيين في ليبيا ومصر عن أقرانهم في تشاد وإثيوبيا. حيث حذرت منظمات دولية منتصف آب/أغسطس الماضي، من تدهور أوضاع السودانيين الوافدين إلى ليبيا حيث تتزايد المخاوف مع توقعات بأن يصل حوالي 2500 سوداني يوميا إلى ليبيا. وقالت “لجنة الإنقاذ الدولية” في حينه، إن تدفق اللاجئين السودانيين إلى ليبيا ساهم في “زيادة الاحتياجات داخل المجتمعات المحلية، مما أدى إلى إجهاد الموارد المجهدة أساسا. والنظام الصحي في ليبيا هش بشكل خاص، حيث تفتقر المرافق الصحية الأولية إلى القدرة على تقديم المساعدة الطبية الكافية للعدد المتزايد من اللاجئين”.

أما في مصر، نشرت منظمة العفو الدولية “أمنيستي” تقريرا في حزيران/يونيو، بعنوان “مكبلو الأيدي مثل المجرمين الخطرين: الاعتقال التعسفي والإعادة القسرية للاجئين السودانيين في مصر”، وسلط التقرير الضوء على وقوع حالات اعتقال للاجئين سودانيين في مصر، قبل ترحيلهم بشكل غير قانوني إلى السودان على الرغم من الصراع الدائر هناك، وذلك في غياب كامل لأي ضمان لحقوقهم أو لإمكانية طلبهم للجوء.

واعتبرت المنظمة عمليات الترحيل هذه انتهاك صارخ للقانون الدولي، مشيرة إلى وجود أدلة على أن آلاف اللاجئين السودانيين تعرضوا للاعتقال التعسفي ثم طردوا بشكل جماعي. ويستند التقرير على تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حول ترحيل 3000 شخص من مصر إلى السودان في أيلول/سبتمبر 2023.

كما يعاني السودانيون في مصر من صعوبات تتعلق بالحصول على إقامات وأوراق ثبوتية، وبالتالي الوصول إلى حقوقهم في التعليم والرعاية الصحية والعمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *